الخطبة الأولى
الحمد لله الذي يخشاه الملائكة والمرسلون، ويسجد له المصلون، ويعرف قدره العالمون، ويقول للشيء كن فيكون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، خاتم الأنبياء والمرسلين، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله وطاعته وخشيته، قال سبحانه:( ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون).
أيها المسلمون: إن الله تبارك وتعالى أثنى على عباده المتقين (الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون) فخشية الله تعالى من مكارم الأخلاق العظيمة، التي تدعو إليها الفطرة السليمة، وتدل على الاعتراف بالفضل لله، وتجعل المرء ملازما للأدب مع جلال الله، مبتعدا عما لا يحبه الله، فتزكو نفسه، وترتقي أخلاقه، وقد ربط القرآن الكريم بين الإيمان والخشية من الرحمن فقال:( فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين) فالمؤمنون تمتلئ قلوبهم بتعظيم الله وخشيته، قال تعالى:( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا) فخشيتهم لله عز وجل تجعلهم يتأثرون بكلامه، وتخشع قلوبهم عند سماع آياته، قال سبحانه:( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) وكيف لا يخشون ربهم وهو الغني الذي لا يفتقر، والعزيز الذي لا يقهر، والقوي الذي لا يغلب، وهو الواحد القهار، بقدرته وقوته خلق كل شيء، وخضع لعظمته كل شيء، يخشاه كل من علم قدره، وعرف جلاله سبحانه، فهؤلاء الملائكة الكرام:( يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون). وهو عز وجل:( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون). وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية الملائكة فقال صلى الله عليه وسلم :« إذا قضى الله في السماء أمرا ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنها سلسلة على صفوان -أي صخرة- فـ (إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير)». أي تستسلم لأمره، وتخضع لعظمته. وكذلك الجبال الراسيات تتصدع من خشية الله، قال تعالى:( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون).
وكلما كان الإنسان عالما بقدرة ربه؛ كان له أشد تعظيما وخشية، وقد كان الأنبياء عليهم السلام أكثر خشية لله كما وصفهم ربهم بقوله:( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له». وكذلك العلماء يخشون الله تعالى حق خشيته، لأنهم تأملوا في عظيم خلقه، وبديع صنعه، وتفكروا في خلق السموات والأرض فزادت خشية الله في قلوبهم، قال سبحانه :(إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور). قال أحد التابعين: كفى بالمرء علما أن يخشى الله تعالى. أي إن العلماء هم أشد الناس خشية لله تعالى، فمن أسباب خشية الله: تعلم العلم، فإن تعلمه لله خشية، والتفكر في آفاق الكون، وتلاوة كتاب الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إن من أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله».
أيها المصلون: إن خشية الله تعالى تدفع المؤمنين إلى المسارعة في الخيرات، قال عز وجل:( إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون* والذين هم بآيات ربهم يؤمنون* والذين هم بربهم لا يشركون* والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون* أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون). لأن قلوبهم امتلأت إيمانا بربهم، فخشعت له أفئدتهم، وتسابقت جوارحهم في طاعته، وحسن عبادته، والمحافظة على أداء فرائضه، والإحسان إلى خلقه، قال الحسن البصري: إن المؤمن جمع إحسانا وشفقة.
فمن إحسان الذين يخشون ربهم: بر الوالدين، وصلة الأرحام، وإتقان العمل، والتعامل باللين والرحمة والصدق والأمانة خشية لله تعالى ومراقبة له، وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن الثلاثة الذين كانوا يمشون، فأصابهم مطر، فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: ليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه، فذكر الأول حفظه للأمانة وإعطاءه الأجير حقه، فقال:« فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، فانساحت عنهم الصخرة». فحفظ الأمانة كيفما كانت وإعطاء الأجير والعامل حقوقه غير منقوصة في وقتها من خشية الله، ولها ثواب عظيم. وذكر الثاني بره بوالديه وإحسانه إليهما ثم قال:« فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، فانساحت عنهم الصخرة» فمعاملة الوالدين بالإحسان والبر والفضيلة والصبر على ذلك هو من خشية الله تعالى، والله عنده أجر عظيم. ثم تكلم الثالث فذكر كيف منع نفسه عما حرم الله وفرج كربة ابنة عمه وراقب الله فيها، ثم قال:« فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، ففرج الله عنهم فخرجوا». إنهم خافوا ربهم، فابتعدوا عما حرم عليهم، وبروا آباءهم، ووصلوا أرحامهم، وأدوا أماناتهم خشية لربهم، فقد أيقنوا أنه مطلع عليهم، يسمع كلامهم، ويرى حالهم، وينظر إلى أعمالهم، سبحانه لا تغيب عنه غائبة، ولا تخفى عليه خافية :(يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور).
فاللهم ارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة، ووفقنا جميعا لطاعتك وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته عملا بقولك:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم،
وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل.
أيها المصلون: إن الله تبارك وتعالى قد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبشر الذين يخشون ربهم بالمغفرة والأجر الكريم:( إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم). فخشية الله سبب في مغفرة الذنوب، وتدخل صاحبها الجنة ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوى) فيا بشراهم:( جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه).
فهل نعزز خشية الله في قلوبنا؟
وهل نربي بناتنا وأبناءنا على خشية الله تعالى؟
فكونوا من الذين يخشون ربهم، ويستجيبون لأمره، ويكثرون من الصلاة على نبيهمصلى الله عليه وسلم فـ:( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا».
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين.
اللهم ارحم شهداء الوطن الأوفياء، وارفع درجاتهم في عليين مع الأنبياء، واجز أمهاتهم وآباءهم وزوجاتهم وأهليهم جميعا جزاء الصابرين يا سميع الدعاء. اللهم انصر قوات التحالف العربي، الذين تحالفوا على رد الحق إلى أصحابه، اللهم كن معهم وأيدهم. اللهم انشر الاستقرار والسلام في بلدان المسلمين والعالم أجمعين.
اللهم زد الإمارات بهجة وجمالا، واكتب لمن غرس فيها هذه الخيرات الأجر والحسنات يا أرحم الراحمين.
اللهم وفق رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد لكل خير، واحفظه بحفظك وعنايتك، وأنعم عليه بالصحة، وألبسه ثوب العافية، ووفق اللهم نائبه وولي عهده الأمين لما تحبه وترضاه، وأيد إخوانه حكام الإمارات.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم الشيخ زايد، والشيخ مكتوم، وشيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك، اللهم ارحمهم رحمة واسعة من عندك، وأفض عليهم من خيرك ورضوانك. اللهم احفظ لدولة الإمارات استقرارها ورخاءها، وبارك في خيراتها، وأدم عليها الأمن والأمان يا رب العالمين.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض. اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق