الخميس، 6 سبتمبر 2018

الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود


الخطبة الأولى
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، أحمده سبحانه حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله؛ قال سبحانه وتعالى:( واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم).
أيها المصلون: ونحن في مفتتح عام دراسي جديد -نسأل الله تعالى أن يجعله عام نجاح وتوفيق وتميز- نحث طلاب العلم على بذل الجهد في تحصيله، فهو أغلى ما يكتسب، وأفضل ما يستفاد، وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم  أهمية العلم للإنسان بأهمية الماء للحياة فقال صلى الله عليه وسلم  :«مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير». ولذلك حرص الصحابة رضي الله عنهم على طلب العلم، وشمروا لنيله عن ساعد الجد، فنبغ فيه كثير منهم رضي الله عنهم، ومنهم الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، الذي هو قدوة لطلبة العلم، وأسوة للمعلمين، وهو من السابقين الأولين، قال رضي الله عنه: لقد رأيتني سادس ستة ما على الأرض مسلم غيرنا. مناقبه غزيرة، وسيرته حميدة، وروى علوما كثيرة. فهو العالم المفسر الفقيه، أول من جهر بقراءة القرآن في مكة.
دفعه حب العلم إلى التعلم من النبي عليه الصلاة والسلام، قال رضي الله عنه: جاء النبيصلى الله عليه وسلم   وأبو بكر... فقلت: علمني. فمسح رأسي وقال:« يرحمك الله، فإنك غليم معلم». فنالته بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم  . فكانت له همة عالية ورغبة صادقة في تحصيل العلم وطلبه، فلازم النبي صلى الله عليه وسلم  لينهل منه علما وهديا، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم  حرصه على طلب العلم قربه وأدناه، حتى قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: قدمت أنا وأخي إلى المدينة، فكنا نظن ابن مسعود وأمه من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  من كثرة دخولهم ولزومهم له.
وقد كان شغوفا بأخذ العلم من مصدره، قال رضي الله عنه: أخذت من فم النبي صلى الله عليه وسلم  سبعين سورة لا ينازعني فيها أحد.
وبذل الجهد، وتكبد المشقة ليستزيد من العلم، قال رضي الله عنه: ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، وفيم أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه. وكان رضي الله عنه يعمل بما يتعلم، ويتأسى بهدي رسول الله  صلى الله عليه وسلم  في كل شيء، قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ما أعرف أحدا أقرب سمتا وهديا بالنبي صلى الله عليه وسلم  من ابن أم عبد. أي: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وقال حذيفة رضي الله عنه: إنه أشبه الناس هديا وقضاء وخطبة برسول الله صلى الله عليه وسلم . وأتقن رضي الله عنه كل ما تعلمه، فأحبه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحب أن يسمع قراءته للقرآن الكريم، فقال له صلى الله عليه وسلم  :« اقرأ علي». قال: أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ قال صلى الله عليه وسلم  :« إني أحب أن أسمعه من غيري». فقرأ عليه من أول سورة النساء إلى قوله تعالى:( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) قال:« أمسك». فإذا عيناه تذرفان صلى الله عليه وسلم .
ونصح النبي صلى الله عليه وسلم  الناس أن يتعلموا القرآن الكريم من ابن مسعود رضي الله عنه فقال:« من أراد أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد». فرفع العلم مكانته، وأعلى مقامه، وخلد في العالمين ذكره.
أيها المسلمون: لقد كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه غزير العلم، رفيع الشأن بين الصحابة، يعرفون قدره، ويقدرون علمه، قال عنه عمر رضي الله عنه: كنيف -أي: وعاء- ملئ علما. وأرسله إلى الكوفة، وكتب إليهم: إني والله آثرتكم به على نفسي، فخذوا منه. فكان رضي الله عنه قدوة للمعلمين، يرفق بطلابه، ويعاملهم بجميل أخلاقه، فقد اجتمع بعض الناس عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه... فقالوا: ما رأينا رجلا أحسن خلقا، ولا أرفق تعليما، ولا أشد ورعا، ولا أحسن مجالسة من ابن مسعود، فقال علي رضي الله عنه: اللهم إني أشهدك أني أقول مثل ما قالوا أو أفضل.
ونتعلم من الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه اعتناءه بمظهره، وطيب رائحته، فكان من أجود الناس ثوبا، ومن أطيبهم ريحا. وكان يعرف بالليل بريح الطيب. فأحبه الناس لغزارة علمه، وحسن خلقه، وطيب جوهره، وجمال مظهره، وأقبلوا عليه، لا يملون حديثه، ولا يشبعون من علمه، قال أحد طلابه: كان عبد الله يحدثنا كل خميس فيتكلم بكلمات، فيسكت حين يسكت ونحن نرجو أن يزيدنا.
فما أجمل أن يتأسى الطلاب بهذا الصحابي الجليل في حرصه على طلب العلم والجد في تحصيله، وما أحسن أن يقتدي به المعلمون في أخلاقه، وجمال مظهره، وكثرة علمه.
فاللهم ارزقنا الاقتداء به، وهب لنا علما نافعا، وعملا صالحا، ووفقنا لطاعتك أجمعين، وطاعة رسولك محمد الأمين صلى الله عليه وسلم  وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم،  
وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،  
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل.
أيها المصلون: إن العالم اليوم يسابق الزمن في جمع العلوم، وإحراز كل جديد وحديث، ويتبارى في الاكتشافات والاختراعات، وقد تعددت العلوم وتنوعت، وأنتم يا طلاب العلم عدة الوطن وأمله، فاقتدوا بكل جاد في طلب العلم، وابذلوا الوقت والجهد في سبيله؛ قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إني لأكره أن أرى الرجل فارغا، لا في عمل الدنيا، ولا في عمل الآخرة. فإنكم إن تجتهدوا تدركوا من سبقكم، وتسبقوا غيركم، ويرتفع في الدنيا شأنكم، وفي الآخرة درجاتكم، وتسعدوا آباءكم وأمهاتكم، وتدخلوا السرور عليهم، وتسهموا في تقدم وطنكم، وتكونوا ناجحين في مستقبلكم وجميع أعمالكم، قال تعالى:( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير). ورسالة العلم وتحصيله مسؤولية يشترك فيها الطالب وولي أمره والمعلم والمدرسة، فلنبدأ عامنا الدراسي بتكاتف الجميع؛ لتحقيق الهدف التعليمي.
اللهم ارض عن سيدنا عبد الله بن مسعود، وعن سائر الصحابة أجمعين.
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى:( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا».
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين.
اللهم اجعلنا من البارين بآبائهم وأمهاتهم، المحسنين إلى أهليهم وأرحامهم. اللهم وفق رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد لكل خير، واحفظه بحفظك وعنايتك، ووفق اللهم نائبه وولي عهده الأمين لما تحبه وترضاه، وأيد إخوانه حكام الإمارات.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات: الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم الشيخ زايد، والشيخ مكتوم، وشيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك، اللهم ارحمهم رحمة واسعة من عندك، وأفض عليهم من خيرك ورضوانك. وأدخل اللهم في عفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن له حق علينا.
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، اللهم إنا نسألك الفوز بالجنة، والنجاة من النار، اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا أكرم الأكرمين، فأنت على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
اللهم احفظ لدولة الإمارات استقرارها ورخاءها، وبارك في خيراتها، وزدها فضلا ونعما، وحضارة وعلما، وبهجة وجمالا، ومحبة وتسامحا، وأدم عليها السعادة والأمان يا رب العالمين.
اللهم ارحم شهداء الوطن وقوات التحالف الأبرار، واجز خير الجزاء أمهات الشهداء وآباءهم وزوجاتهم وأهليهم جميعا، اللهم انصر قوات التحالف العربي، الذين تحالفوا على رد الحق إلى أصحابه. اللهم كن معهم وأيدهم، اللهم وفق أهل اليمن إلى كل خير، واجمعهم على كلمة الحق والشرعية، وارزقهم الرخاء يا أكرم الأكرمين.
اللهم انشر الاستقرار والسلام في بلدان المسلمين والعالم أجمعين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم.
وأقم الصلاة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق