الخطبة الأولى
الحمد لله العلي العظيم، أرسل رسوله محمدا بالدين القويم، فكانت بعثته رحمة للعالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اختار لنبيه أصحابا مكرمين، دعاهم إلى الهدى فلبوا طائعين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، إمام المرسلين، وخاتم النبيين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، قال سبحانه:( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا).
أيها المسلمون: في مستهل عام هجري جديد، نسأل الله عز وجل أن يجعله عام سعادة وبركات، ورزق وخيرات، نستحضر ذكرى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، ونتذكر رجالا ونساء كانت لهم بصمات واضحة في هذا الحدث التاريخي العظيم، منهم الصحابية الجليلة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، التي كان دورها في الهجرة النبوية عظيما، وفعلها قويما، وتصرفها سديدا، ورأيها حكيما، فحين أذن للنبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة إلى المدينة ذهب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فوجد عنده عائشة وأسماء رضي الله عنهما، فقال لأبي بكر :«أشعرت أنه قد أذن لي في الخروج؟». يعني إلى المدينة. قال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم :« الصحبة». قالت عائشة رضي الله عنها: فجهزناهما أسرع الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها، فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاقين.
ولما لحق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور، ومكثا فيه ثلاث ليال كانت أسماء رضي الله عنها تحمل لهما الزاد، وتصعد به الجبل وهي حامل؛ مقدمة أروع الأمثلة في التضحية والصبر والتحمل؛ ومقدرة فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم ووالدها وجهودهما، ثم خرجت رضي الله عنها مهاجرة من مكة إلى المدينة وهي في آخر أيام حملها، متحملة الألم والمشقة طيلة رحلتها، فأنجبت عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما فور وصولها إلى المدينة المنورة، وهو أول مولود ولد في الإسلام، ففرحوا به فرحا شديدا. وقد خلد التاريخ ذكرها، وسطرت لنا كتب السيرة مناقبها وفضائلها رضي الله عنها.
فماذا نعرف عنها يا عباد الله؟ إنها الصحابية الكريمة، والعالمة الفقيهة: أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وأخت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، رباها أبوها أبو بكر رضي الله عنه على القيم النبيلة، والمبادئ الجليلة، والأخلاق الكريمة، وصحبت النبي صلى الله عليه وسلم ، وحجت معه عليه الصلاة والسلام، وروت عنه أحاديث كثيرة، ونالت منه صلى الله عليه وسلم عناية كبيرة، فكان يدعو لها، ويوصيها بما ينفعها، ويعاملها صلى الله عليه وسلم معاملة الأب لابنته.
أيها المصلون: إن سيرة أسماء رضي الله عنها تحمل في كل جانب منها دروسا وفوائد، فهي البارة بوالديها، الواصلة لرحمها، قالت رضي الله عنها: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال:« نعم صلي أمك».
وكانت رضي الله عنها قدوة للزوجة التي تقدر مشاغل زوجها؛ فتساعده وتعينه على متاعب الحياة متطوعة غير مأمورة ولا مجبورة، وتجتهد في إسعاد أسرتها، قالت رضي الله عنها: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال... غير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأستقي الماء وأعجن. وهذا مثال للأسرة المتماسكة.
وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أما عظيمة، ومربية فاضلة، تعتني بأولادها، وتختار لهم الأفضل، وتلتمس لهم الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم فحين ولدت ابنها ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحنكه، فأخذه صلى الله عليه وسلم منها، فوضعه بين يديه، ثم مسحه ودعا له، وسماه عبد الله.
ولقد كانت أسماء رضي الله عنها عابدة لربها، كثيرة الصلاة له سبحانه، قال أحد التابعين: دخلت على أسماء بنت أبي بكر وهي كبيرة فوجدتها تصلي.
أيها المصلون: لقد كانت السيدة أسماء رضي الله عنها صاحبة بذل وعطاء، وكرم وسخاء، قال عنها ابنها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: ما رأيت امرأة قط أجود من عائشة وأسماء.
فكانت حياتها مباركة مليئة بالقيم الإنسانية العظيمة من أمانة وصبر وتضحية، وجد وتوكل، وعطاء وإيثار، فما أجمل أن يتأسى بناتنا اليوم بأمثال هذه الصحابية الجليلة رضي الله عنها وأرضاها.
فاللهم اجعلنا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم متمسكين، وبأصحابه مقتدين، واجعل عامنا الجديد سعيدا يا رب العالمين، ووفقنا لطاعتك أجمعين، وطاعة رسولك محمد الأمين صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته، يا رب العالمين؛ عملا بقولك:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم،
وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، نحمده حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل.
أيها المصلون: إن الهجرة النبوية الشريفة حدث عظيم، مليء بالفوائد والقدوات والشخصيات الجليلة، فيحسن بالمسلم أن يقف أمام هذه الأحداث الكبيرة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم متدبرا متعلما، فيستفيد منها الدروس التي تنفعه في حياته، ويعلمها أولاده، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم قد بذلوا جهدهم، واستفرغوا طاقتهم، حتى وصلوا إلى أهدافهم النبيلة، وبقيت قيمهم وأخلاقهم، وحكمتهم، وحسن تصرفهم، وشجاعتهم وصلابتهم في مواجهة المواقف العصيبة؛ نماذج تصنع الأبطال، وتقتدي بها الأجيال، فلنغرسها في نفوس أولادنا، فلقد انتهت الهجرة يوم فتح مكة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :« لا هجرة بعد الفتح». وبقي من الهجرة قيمها الكثيرة، وفوائدها الغزيرة، والعمل الصالح الذي ينفع الفرد والمجتمع، فإن العمل والجد فيما يعود على الناس بالخير، من معاني الهجرة الحقيقية.
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى:( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا». اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين.
اللهم إنا نسألك عاما جديدا وافرا بالخيرات، مليئا بالمسرات، تتوالى علينا فيه نعمك الكثيرة، وعطاياك العظيمة. اللهم اجعلنا من البارين بآبائهم وأمهاتهم، المحسنين إلى أهليهم وأرحامهم.
اللهم وفق رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد لكل خير، واحفظه بحفظك وعنايتك، ووفق اللهم نائبه وولي عهده الأمين لما تحبه وترضاه، وأيد إخوانه حكام الإمارات.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات: الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم الشيخ زايد، والشيخ مكتوم، وشيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك، اللهم ارحمهم رحمة واسعة من عندك، وأفض عليهم من خيرك ورضوانك. وأدخل اللهم في عفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن له حق علينا.
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، اللهم إنا نسألك الفوز بالجنة، والنجاة من النار، اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا أكرم الأكرمين، فأنت على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
اللهم احفظ لدولة الإمارات استقرارها ورخاءها، وبارك في خيراتها، وزدها فضلا ونعما، وحضارة وعلما، وبهجة وجمالا، ومحبة وتسامحا، وأدم عليها السعادة والأمان يا رب العالمين.
اللهم ارحم شهداء الوطن وقوات التحالف الأبرار، واجز خير الجزاء أمهات الشهداء وآباءهم وزوجاتهم وأهليهم جميعا، اللهم انصر قوات التحالف العربي، الذين تحالفوا على رد الحق إلى أصحابه. اللهم كن معهم وأيدهم، اللهم وفق أهل اليمن إلى كل خير، واجمعهم على كلمة الحق والشرعية، وارزقهم الرخاء يا أكرم الأكرمين.
اللهم انشر الاستقرار والسلام في بلدان المسلمين والعالم أجمعين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم.
وأقم الصلاة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق