الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، فرض علينا صيام رمضان، وسن لنا فيه القيام؛ للمغفرة ودخول الجنة بسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الفضل والإكرام، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، خير من صام وقام لربه بالليل والناس نيام، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، والمسارعة في الأعمال الصالحة للفوز بمغفرته وجنته، قال تعالى:( إن المتقين في جنات ونهر* في مقعد صدق عند مليك مقتدر).
أيها المصلون: نهنئكم بإقبال شهر رمضان المبارك وقدومه، ونسأل الله تعالى أن يسلمه لنا, وأن يتسلمه منا متقبلا، وأن يكتب لنا في أوله رحمة، وفي أوسطه مغفرة، وفي آخره عتقا من النيران، وأن يوفقنا لصيامه وقيامه، واستثمار لياليه بالطاعات، وأيامه بالقربات؛ لنكون من الفائزين بالجنات التي تفتح أبوابها في رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة». لذلك يستبشر المسلمون بحلوله، وما لنا ألا نفرح بقدومه؟ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يزف البشارة بذلك لأصحابه، ويبين لهم فضائله؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما حضر رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« قد جاءكم رمضان؛ شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة القدر خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم». فاللهم لا تحرمنا بركات رمضان، وأعنا فيه على الصيام والقيام.
عباد الله: ما معنى الصيام؟ الصوم معناه: الإمساك والامتناع عن الشيء، ومنه قول مريم عليها السلام:( إني نذرت للرحمن صوما) أي: صمتا وإمساكا عن الكلام، ومعناه في الشرع: الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع استحضار النية.
فلماذا نصوم رمضان؟ نصومه لأن صيامه فرض كتبه الله تعالى علينا لما فيه من تحقيق للتقوى، وتزكية للنفس، وصفاء للقلب، قال سبحانه:( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).
فما أجر الصائم؟ إن أجر الصيام عظيم لا يعلمه إلا الله عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم :« قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به». فالصيام من أفضل العبادات، وأجره لا مثيل له، فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: مرني بأمر آخذه عنك. فقال:« عليك بالصوم فإنه لا مثل له».
وهو سبب للمغفرة ودخول الجنة، قال صلى الله عليه وسلم :« من صام رمضان، إيمانا واحتسابا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه». فيأتي الصائم يوم القيامة وصحيفته بيضاء نقية، ينادى عليه ليدخل الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم :« إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم، أغلق فلم يدخل منه أحد». فما أكثره من أجر، وما أحسنها من كرامة؛ حين ينادى المرء باسمه أمام الخلائق ليدخل الجنة.
أيها المتقون: فعن أي شيء نصوم؟ يصوم المسلم عن المفطرات، من طعام وشراب وشهوة، ويحفظ جوارحه عن المحرمات، فيغض بصره، وينزه أذنه عن الاستماع إلى ما يغضب الله تعالى، ويكف لسانه عما لا يليق من الكلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم :« إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إني امرؤ صائم». والرفث هو الكلام الفاحش، والصخب هو رفع الصوت، فيمسك الصائم عن اللغو وقول الزور، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». لأن هذه الأمور لا تتفق مع الحكمة من الصيام الذي يهذب النفس، ويروض الجوارح على الاستقامة طاعة لله تعالى، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن المآثم... ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء.
فما العبادات التي نحرص عليها في رمضان؟ إن من أهم الأعمال التي نحرص عليها: المحافظة على الصلوات في أوقاتها، وصلة الأرحام؛ وهذه من أسباب رضا الله تعالى ودخول الجنة؛ فقد قال رجل: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة... فأوصاه النبي صلى الله عليه وسلم بأعمال وذكر منها:« تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم». وكذلك الاجتهاد في قراءة القرآن، فرمضان شهر القرآن، وفيه أنزل، قال سبحانه:( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان). فيقبل المسلمون على كتاب الله تعالى يرتلونه، ويتلون آياته، فيرتقوا في الدرجات، ويتبوؤوا أعلى الجنات، ويتقربوا إلى الله تعالى بالصدقات؛ وخاصة إفطار الصائم؛ قال صلى الله عليه وسلم :« من فطر صائما كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا».
فاللهم أهل علينا رمضان باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، واجعلنا فيه ممن قبلت صيامه وقيامه يا رب العالمين، واجعلنا فيه من الفائزين، ومن ورثة جنة النعيم، ووفقنا لطاعتك أجمعين، وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم،
وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل.
أيها المصلون: إن شهر رمضان نعمة عظيمة من الله تعالى، فكيف نستثمر وقته الثمين؟ نغتنم هذه الأيام المباركة بكثرة ذكر الله تعالى، والحرص على حضور دروس العلم، ففي رمضان تعقد المحاضرات العلمية، والملتقيات والمجالس الرمضانية، وتكثف برامج الوعظ والإفتاء لإثراء أوقاتنا في رمضان بالعلم النافع، ويستضيف صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله نخبة من العلماء من شتى بقاع الأرض لإذكاء الروح الرمضانية والإيمانية، ففي مجالس الذكر يكثر ذكر الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وترفع الأكف إلى الله عز وجل بالدعوات، وتحضرها الملائكة، وتتنزل عليها الرحمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إن لله تعالى ملائكة سيارة، فضلا يتتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم... فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء، فيسألهم الله عز وجل، وهو أعلم بهم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض، يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك، قال: وماذا يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك، ويستجيرونك من نارك ويستغفرونك، فيقول: قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا».
فهل سنستثمر شهر رمضان؟ ونعزز قيمة صيامه وأخلاقه في قلوب بناتنا وأبنائنا؟
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا». اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم وفقنا لفعل الخير والإحسان في رمضان، واجعلنا فيه من أهل القرآن، وتقبله منا يا كريم يا منان.
اللهم ارحم شهداء الوطن وقوات التحالف الأبرار، وأنزلهم منازل الأخيار، وارفع درجاتهم في عليين مع النبيين والصديقين، يا عزيز يا كريم.
اللهم اجز خير الجزاء أمهات الشهداء وآباءهم وزوجاتهم وأهليهم جميعا، اللهم انصر قوات التحالف العربي، الذين تحالفوا على رد الحق إلى أصحابه، اللهم كن معهم وأيدهم، اللهم وفق أهل اليمن إلى كل خير، واجمعهم على كلمة الحق والشرعية، وارزقهم الرخاء يا أكرم الأكرمين.
اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين.
اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ونسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهم وفق رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد، وأدم عليه موفور الصحة والعافية، واجعله يا ربنا في حفظك وعنايتك، ووفق اللهم نائبه وولي عهده الأمين لما تحبه وترضاه، وأيد إخوانه حكام الإمارات.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم الشيخ زايد، والشيخ مكتوم، وشيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك، وأدخل اللهم في عفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن له حق علينا.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.
اللهم احفظ دولة الإمارات من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأدم عليها الأمن والأمان يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله:( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون).
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).
---------------
تنبيه يلقى عقب صلاة الجمعة 26/5/2017
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: تُولي دولة الإمارات العربية المتحدة عناية كبيرة بالقرآن الكريم وخدمته بإقامة المشاريع القرآنية ومراكز التحفيظ والجوائز القرآنية على كافة المستويات المحلية والدولية، ومن ذلك جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، والتي تبدأ فعالياتها من أول رمضان حتى العشرين منه، وذلك بغرفة تجارة وصناعة دبي، والدعوة عامة لحضور المسابقة.
وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق