الخطبة الأولى
الحمد لله ذي المن والعطاء، أسبغ على عباده النعم، وتفضل عليهم بالمنن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، أمر بالاعتصام والتلاحم، وحث على المودة والتراحم، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، قال سبحانه وتعالى:( وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون).
أيها المؤمنون: تعم الفرحة ربوع دولة الإمارات، بذكرى وطنية خالدة، وإنجاز تاريخي عظيم يتذاكره الأجيال، وأنموذج يحتذي به الآخرون، وهو قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي أشرق نوره، وكثر خيره، وقد أجمع العلماء والحكماء على أن الاتحاد منبع الخير والسعادة، ومنطلق الصدارة والريادة، فلا يمكن لأمة من الأمم أن ترقى وتقوى دون وحدة تؤلفها، وتلاحم يظلها، واجتماع يحفظها ويصونها، ويجمع جهود أبنائها في إطار منظم، وهكذا تبنى الحضارات بأيد متكاتفة، وعقول متكاملة، وقلوب متلاحمة، وهل الخير إلا في الاتحاد؟ وهل البركة إلا في التلاحم والاجتماع؟ ولذا قال الله تعالى:( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم). فاشتملت الآية الكريمة على تقرير سنة كونية، وهي أن الاتحاد سبيل القوة والتفوق، وأن الفرقة سبب الفشل والتخلف، وفي ذلك آكد برهان وأدل بيان على أهمية الاتحاد وثمراته.
عباد الله: والاتحاد مع كونه فضيلة اجتماعية، فهو ضرورة إنسانية، فلقد خلق الله تعالى الإنسان مدنيا بطبعه، لا يمكنه العيش بانفراد، ولا غنى له عن بقية الأفراد، ولا يمكن لمجتمع أن يحقق مصالحه إلا باجتماع جهود أبنائه. بتعاونهم وتكاتفهم، وتلاحمهم وتآزرهم، قال ابن خلدون: الاجتماع الإنساني ضروري، ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم: الإنسان مدني بالطبع، أي لا بد له من الاجتماع. ولذا أمر الإسلام بالوحدة والاعتصام، وجعل الاتحاد مطلبا يرتجى، وهدفا يسمو إليه كل عاقل حكيم، فقال سبحانه:( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).
ودعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملازمة الجماعة، وحث على الوحدة وصفاء القلوب، فقال:« المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا». وشبك بين أصابعه. وقال صلى الله عليه وسلم:« من أراد بحبوحة الجنة - أي وسطها وأحسنها - فليلزم الجماعة».
وحث النبي صلى الله عليه وسلم على الاجتماع في مواطن عدة، لأنه سبب للخير والبركة، فقال صلى الله عليه وسلم:« اجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه، يبارك لكم فيه». فيؤخذ منه أن الكفاية تنشأ عن بركة الاجتماع، وأن الجمع كلما كثر ازدادت البركة.
وبالاتحاد يحصل التكافل بين الجميع، ويحرص كل فرد على أبناء مجتمعه، فيعم التراحم، وتسود روح المسؤولية الاجتماعية، قال النبي صلى الله عليه وسلم:« المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه». أي: يحفظه ويصونه، ويعامله بالإحسان والشفقة وغير ذلك.
وباجتماع الكلمة واتفاقها تحصل القوة والمنعة والازدهار، وتصان الأنفس والأعراض والمكتسبات، ويتعاون الناس في بناء وطنهم، ويتشاركون في أفراحهم وأحزانهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:« إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس».
أيها المصلون: وانطلاقا من هذه القيم الحضارية تأسس صرح اتحاد دولة الإمارات على أيدي قادة عظماء، ومؤسسين حكماء، خلدهم التاريخ لعظم إنجازاتهم، وجميل إحسانهم الذي قدموه لوطنهم ومجتمعهم، فقد بذلوا الغالي والنفيس لإقامة الاتحاد، وكانوا قدوة في العمل الدؤوب والإرادة الصلبة التي دفعتهم للتغلب على جميع المصاعب، وكانوا كواكب مضيئة في التضحية والإخلاص، ومدرسة تستلهم منها الأجيال حب الوطن، والتفاني لتحقيق مجده وعزه، قال صاحب السمو الشيخ/ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله: إن الاتحاد كان حلما فأصبح حقيقة، وكان أملا فأصبح واقعا، يرتكز على أرضية صلبة قوية، نتيجة للإيمان الراسخ بضرورته الملحة، والرؤية الصافية لأهدافه الحاضرة والمستقبلية. فمؤسسو الاتحاد ( رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه). وسجل التاريخ ذكرهم ( ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب).
فلقد صنع هؤلاء القادة الأفذاذ وحدة مشرقة، أساسها العلم والمعرفة، وقوامها التسامح والمعاملة الحسنة، وعملوا على بناء الإنسان، والارتقاء به في مختلف المجالات، وتوفير أرقى الخدمات له، حتى أصبحت دولة الإمارات بين الأمم منارة في عظم إنجازاتها، وأنموذجا في تقدمها وريادتها، ومثالا يحتذى في رسوخ هوية أبنائها وانتمائهم لتراب هذا الوطن الغالي، وما الشهداء الأبرار إلا شموس مضيئة في سماء العز والكرامة، ترجموا أعظم معاني الوطنية والفداء والدفاع عن هذا الوطن المعطاء، فهم مبشرون بأعظم الجزاء، من رب الأرض والسماء، قال الله تعالى:( والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم). أي: لهم عند ربهم أجر جزيل ونور عظيم يسعى بين أيديهم. فاللهم أدم علينا الوحدة والوئام، وأظلنا بالخير والسلام، وبارك لنا فيما أعطيتنا، وزدنا من فضلك العميم، ووفقنا لطاعتك أجمعين، وطاعة رسولك محمد الأمين صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم،
وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها المصلون: إن أهم ما نتواصى به تقوى الله عز وجل، وأن نحافظ على الاتحاد، ونتمسك بقيمه، فالاتحاد نعمة ينبغي شكرها، وأمانة يجدر حفظها، فكم تحقق بهذه النعمة في أرض الإمارات من خير عميم، وعيش كريم، فدولة الإمارات أنموذج رقي وبناء، وواحة استقرار وهناء، ووجهة مثالية يتوافد عليها الناس من كل مكان، وارتفع للدولة وأهلها أعظم ذكر وشأن، فما أعظمها من نعمة يسعد بها من أعطيها، ويتمناها من حرمها، ويبكيها من اكتوى بنار الفرقة والفتنة، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا فذكر بفضل هذه النعمة العظيمة فقال:« الجماعة رحمة، والفرقة عذاب». وهي كلمة نبوية جامعة، تؤكد فضل الجماعة، وما فيها من رحمة وسلام، وتحقيق للمصالح، ودفع للمفاسد، على عكس ما في الفرقة والاختلاف، وامتن الله تعالى على عباده بجمع الكلمة وتأليف القلوب فقال عز وجل:( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم).
فهل نشكر الله على هذه النعمة؟ وهل نحفظها ونصونها ونغرس في أبنائنا حبها والمحافظة عليها؟
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا». اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم بارك لنا في الاتحاد، واحفظ القيادة والمجتمع، وأعنا على شكرك على ما أنعمت به علينا يا رب العالمين.
اللهم ارحم شهداء الوطن وقوات التحالف الأبرار، وأنزلهم منازل الأخيار، وارفع درجاتهم في عليين مع النبيين والصديقين، يا عزيز يا كريم. اللهم اجز خير الجزاء أمهات الشهداء وآباءهم وزوجاتهم وأهليهم جميعا، اللهم انصر قوات التحالف العربي، الذين تحالفوا على رد الحق إلى أصحابه، اللهم كن معهم وأيدهم، اللهم وفق أهل اليمن إلى كل خير، واجمعهم على كلمة الحق والشرعية، وارزقهم الرخاء يا أكرم الأكرمين.
اللهم انشر الاستقرار والسلام في بلدان المسلمين.
اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين.
اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ونسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهم وفق رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد، وأدم عليه موفور الصحة والعافية، واجعله يا ربنا في حفظك وعنايتك، ووفق اللهم نائبه وولي عهده الأمين لما تحبه وترضاه، وأيد إخوانه حكام الإمارات.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم الشيخ زايد، والشيخ مكتوم، وشيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك،وأدخل اللهم في عفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن له حق علينا.
اللهم إنا نسألك المغفرة والثواب لمن بنى هذا المسجد ولوالديه، ولكل من عمل فيه صالحا وإحسانا، واغفر اللهم لكل من بنى لك مسجدا يذكر فيه اسمك، أو وقف وقفا يعود بالخير على عبادك، أو تنتفع به ذريته من بعده.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.
اللهم احفظ دولة الإمارات من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأدم عليها الأمن والأمان يا رب العالمين.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله:( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق